/ الفَائِدَةُ : (26) /

19/10/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / شمول الإِمامة الإِلهيَّة لجملة أَحوال وشؤون العوالم والمخلوقات/ إِنّ الثابت في بيانات الوحي : أَنَّ حقيقة وبنود ومحاور وأَعمدة الإِمامة الإلٰهيَّة لا تقتصر على عَالَم الدُّنيا الأُولىٰ ـ كما حصرتها الكُتُب الكلاميَّة وغيرها ـ بل تشمل طرّ العوالم والمخلوقات غيرالمتناهية ؛ من بداية الخلقة والوجود إِلى ما لا نهاية له ، منها : عَالَم البرزخ ـ وهو حاشية لعَالَم الدُّنيا ـ وعَالَم آخرة الدُّنيا (الرجعة) ، وعَالَم القيامة ، وعَالَم الآخرة الأَبديَّة ـ الجنَّة والنَّار الأَبديِّتان ـ وغيرها. وتشمل أَيضاً جميع أَحوالها وشؤونها. ومفروضة على جميع مخلوقات هذه العوالم ، فلا تشمل الإِنس والجن فحسب ، بل والملائكة وسائرالمخلوقات من بداية الخلقة إِلى ما لا نهاية ، فأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ هم الَّذين يُؤمُّون ويقودون كُلَّ المخلوقات غيرالمتناهية ، وفي جملة العوالم ؛ في سلسلة عوالم قوس النزول ، وسلسلة عوالم قوس الصعود (2). ولك أَنْ تَقول : إِنَّ الملائكة بعدما كانوا على طبقات من حيث العصمة ؛ احتاجوا إِلى سيِّد وناظم أَرفع درجة ، وأَعلىٰ مقاماً ، وأَعظم شأناً يُدير وينظِّم شؤون وأَحوال وما يحصل من إِصطكاك واختلاف بين تلك الطبقات ، المُشار إِليها في بيانات الوحي ، منها : بيان قوله عزَّ مَنْ قائل : [مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ](3). بل الثابت في البحوث العلميَّة : أَنَّ كُلَّ كثرةٍ في مُطلق الحقائق والعلوم ـ وإِنْ كانت من عَالَم النُّور ـ تحتاج إِلى وحدة وناظم. ومن ثَمَّ ورد في بيانات الوحي المستفيضة ، بل المتواترة : أَنَّ الإِمام من أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بعدما كان هو خليفة اللَّـه الأَعظم جعلته يد الساحة الإِلٰهيَّة : ناظماً لجملة المخلوقات وعوالمها وأَحوالها وشؤونها ، وميزاناً لها ، وحاكماً عليها وإِلَّا لدبَّ الإِختلاف والفساد في نظام عَالَم الخلقة والوجود. هذه هي حقيقة الإِمامة الإِلٰهيَّة الكبرىٰ الَّتي تمتَّع بها أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فقط من بين جملة المخلوقات . ومن دون معرفة المخلوق لهذه الحقيقة لم يعرف إِمامتهم صلوات اللَّـه عليهم . وبالجملة : دور إِمامة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ من بداية الخلقة والوجود إِلى ما لا نهاية ؛ لأَنَّها السبيل الفارد ، الموصل إِلى ساحة القدس الالهية وهي الغاية والكمال المُطلق ، وهو غيرمتناهي ، فيكون دورها ليس بمتناهٍ أَيضاً. ويدلُّ عليه : أَوَّلاً : بيانات الوحي الدَّالَّة على أَنَّ الإِمامة الإِلٰهيَّة من الدِّين ، بل من أَعمدته وأُسسه وأَركانه ، وحيث إِنَّ الدِّين شامل لطُرِّ العوالم والمخلوقات ولكافَّة أَحوالها وشؤونها ـ كما صرَّحت بذلك أَيضاً جملة من بيانات الوحي الوافرة الباهرة ـ فتكون الإِمامة الإِلٰهيَّة شاملة أَيضاً لجملة العوالم والمخلوقات ، ولكافَّة أَحوالها وشؤونها. ثانياً : الأَدلَّة الوحيانيَّة الخاصَّة ، منها : 1ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... فبنا احتجَّ على خلقه ، فما زلنا في ظلَّةٍ خضراء حيث لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار ، ولا عين تطرف ، نعبده ونُقدِّسه ونُسَبِّحه ، وذلك قبل أَنْ يخلق الخلق ، وأَخذ ميثاق الأَنبياء بالإِيمان والنصرة لنا... وسوف ينصرونني ، ويكون لي ما بين مشرقها إِلى مغربها ، وليبعثنَّ اللَّـه أَحياء من آدم إلى محمَّد ’ كلَّ نبيٍّ مرسلٍ ، يضربون بين يديَّ بالسيف هام الأَموات والأَحياء والثقلين جميعاً... وإنَّ لي الكرَّة بعد الكرَّة ، والرَّجعة بعد الرَّجعة ، وأنا صاحب الرجعات والكرَّات ، وصاحب الصولات والنقمات ، والدولات العجيبات ... وأَنا صاحب الجنَّة والنَّار ، أسكن أهل الجنَّة الجنَّة ، وأسكن أَهل النَّار النَّار ، وإِليَّ تزويج أَهل الجنَّة ، وإِليَّ عذاب أَهل النَّار ، وإِليَّ إِياب الخلق جميعاً ، وأَنا الإِياب الَّذي يؤوب إِليه كلّ شيءٍ بعد القضاء ، وإِليَّ حساب الخلق جميعاً ، وأَنا صاحب الهبات ، وأنا المؤذن على الأعراف ... وأنا أمير المؤمنين ، ويعسوب المتقين ، وآية السَّابقين ، ولسان النَّاطقين ... وخليفة ربّ العالمين ، وصراط ربِّي المستقيم ، وفسطاطه، والحُجَّة على أَهل السَّماوات والأَرضين ، وما فيهما وما بينهما ، وأَنا الَّذي احتج اللَّـه به عليكم في ابتداء خلقكم ، وأَنا الشَّاهد يوم الدِّين ... وأنا الذي أحصيتُ كُلَّ شيءٍ عدداً بعلم اللّٰـه الَّذي أودعنيه...»(4). 2ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... ويطيعنا كلّ شيءٍ حتَّىٰ السَّماوات والأَرض ، والشَّمس والقمر والنجوم ، والجبال والشجر والدواب والبحار ، والجنَّة والنَّار ... ومع هذا كلّه نأكُل ونشرب ونمشي في الأَسواق ... »(5). 3ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... الإِمام ... يختاره اللّٰـه ويجعل فيه ما يشاء ، ويوجب له بذلك الطَّاعة والولاية على جميع خلقه ، فهو وليه في سماواته وأَرضه ، أَخذ له بذلك العهد على جميع عباده ، فمن تقدَّم عليه كفر باللّٰـه من فوق عرشه ، فهو يفعل ما يشاء ، وإِذا شاء اللّٰـه شاء ... فلا يخفىٰ عليه شيء من عَالَم المُلك والملكوت ... الإِمام ... قطب الوجود ، وسماء الجود ، وشرف الموجود ... مهيمن اللّٰـه على الخلائق ، وأَمينه على الحقائق ... مفترض الطاعة إِلى يوم السَّاعة ... هذا كلّه لآل مُحمَّد لا يُشاركهم فيه مشارِك ... خلقهم اللّٰـه من نور عظمته ، وولَّاهم أَمر مملكته ، فهم سرّ اللَّـه المخزون وأَوليآؤه المُقرَّبون ... والسَّماوات والأَرض عند الإِمام كيده من راحته يعرف ظاهرها من باطنها ، ويعلم برّها وفاجرها ، ورطبها ويابسها ... فهم ... مبدء الوجود وغايته ، وقدرة الرَّب ومشيَّته ... وحجج اللّٰـه على الأَوَّلين والآخرين ... وأَنَّ اللّٰـه لم يخلق أَحداً إِلَّا وأَخذ عليه الإِقرار بالوحدانيَّة ، والولاية للذرِّيَّة الزَّكيَّة ، والبراءة من أَعدائهم...»(6). 4ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً ، عن سلمان الفارسي ، قال : «كُنتُ أَنا والحسن والحسين عَلَيْهما السَّلاَمُ ومُحمَّد بن الحنفيَّة ومُحمَّد بن أبي بكر وعمَّار بن ياسر والمقداد بن الأَسود الكنديّ رضي اللَّـه عنهم ، فقال له ابنه الحسن عَلَيْهما السَّلاَمُ : يا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ سليمان بن داود عَلَيْهما السَّلاَمُ سأل ربَّه مُلكاً لا ينبغي لأَحدٍ من بعده فأعطاه ذلك ، فهل ملكتَ مِمَّا ملك سليمان بن داود شيئاً ؟ فقال عَلَيْهِ السَّلاَمُ : والَّذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة إِنَّ ... أَباك ملك ما لم يملكه بعد جدّكَ رسول اللّٰـه ’ أَحد قبله ولا يملكه أَحد بعده. فقال الحسن : نريد ترينا مِـمَّا فَضَّلَك اللّٰـه عزَّوجلَّ به من الكرامة ، فقال عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أفعل إِنْ شاء اللّٰـه ، فقام أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ... ثُمَّ أومأ بيده إِلى جهة المغرب فما كان بأسرع من أَنْ جاءت سحابة فوقفت على الدار وإِلى جانبها سحابة أُخرىٰ. فقال أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَيَّتها السحابة اهبطي بإِذن اللّٰـه عزَّوجلَّ فهبطت و هي تقول : أَشهد أَنْ لا إِلٰه إِلَّا اللّٰـه ، وأَنَّ مُحمَّد رسول اللّٰـه وَأَنَّكَ خليفته(7) ووصيّه ، مَنْ شَكَّ فيك فقد هلكَ ، ومن تمسَّكَ بكَ سلك سبيل النجاة... وأمر الريح فسارت بنا ، وإِذا نحن بملكٍ يده في المغرب والأُخرىٰ بالمشرق ، فَلَمَّا نظر الملك إِلى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قال: أَشهد أَنْ لا إِلٰه إِلَّا اللّٰـه وحده لا شريك له ، وأشهد أَنَّ مُحمّداً عبده ورسوله ... وأشهد أَنَّكَ وصيَّه وخليفته حقّاً وصدقاً ... ثُمَّ إِنَّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَمَرَ الريح فسارت بنا إلى جبل قاف ، فانتهيت(8) إِليه ، وإذا هو من زمرّدة خضراء وعليها ملك على صورة النسر ، فلمَّا نظر إِلى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قال الملك: السَّلام عليكَ يا وصيّ رسول اللَّـه وخليفته ، أتأذن لي في الكلام ؟ فَرَدَّ عليه السَّلَام وقال له : إِنْ شئتَ تكلَّم ، وإنْ شئتَ أخبرتكَ عمَّا تسألني عنه. فقال الملك : بل تقول أَنْتَ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ، قال : تريد أَنْ آذن لَكَ أَنْ تزور الخضر عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، قال : نعم ، فقال عَلَيْهِ السَّلاَمُ : قد أَذِنْتُ لكَ ، فأسرع الملك ... ثُمَّ تمشينا ... فإذا بالملك قد عاد إلى مكانه ... فقال سلمان : يا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ، رأيتُ الملكَ ما زار الخضر إِلَّا حين أخذ إِذنك. فقال عَلَيْهِ السَّلاَمُ : والَّذي رفع السَّماء بغير عمدٍ ، لو أَنَّ أَحدهم رام أَنْ يزول من مكانه بقدر نفس واحد لَـمَا زال حتَّىٰ آذن له ، وكذلك يصير حال ولدي الحسن وبعده الحسين وتسعة من ولد الحسين ... والَّذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة ، إِنِّي لأَملك من ملكوت السَّماوات والأَرض ما لو علمتم ببعضه لَـمَا احتمله جنانكم ... إِنِّي لأَعرفُ بطرق السَّماوات من طرق الأَرض ... لو أَنَّني أَردتُ أَنْ أَجوب الدُّنيا بأسرها والسَّماوات السبع وأرجع في أَقلَّ من الطرف لفعلتُ بما عندي من اسم اللّٰـه الأَعظم ...»(9). 5ـ إطلاق بيان خطبة فاطمة الزهراء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْها : « ... وطاعتنا : نظاماً للملَّة، وإِمامتنا : أَماناً للفرقة ... »(10). 6ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « مَا مِنْ شيء ولا من آدمي ولا إِنسي ولا جنِّي ولا ملك في السماوات إِلَّا و نحن الحجج عليهم ، وما خلق اللَّـه خلقاً إِلَّا وقد عرض ولايتنا عليه ، واحتجَّ بنا عليه ؛ فمؤمن بنا وكافر وجاحد ، حتَّىٰ السَّماوات والأَرض والجبال ، الآية»(11). 7ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « إِنَّ للّٰـه عزَّوجلَّ اثنىٰ عشر أَلف عَالَمٍ ، كُلُّ عَالَمٍ منهم أكبر من سبع سماوات وسبع أَرضين ، ما يرى عَالَم منهم أَنَّ للَّـه عَزَّوجلَّ عالَماً غيرهم ، وإِنِّي الحُجَّة عليهم »(12). ودلالته ـ كدلالة سوابقه ـ واضحة. والظَّاهر : أَنَّ ما أَخذ فيه الإِمام عَلَيْهِ السَّلاَمُ من عدد ليس من باب الحصر والتحديد ، وإِنَّما للدلالة على كثرة العوالم كحال بيان قوله تقدَّس ذكره : [اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ](13). فإنَّ المقصود : إِنَّ اللّٰـه (عزَّوجلَّ) لن يغفر لهم مهما استغفر لهم رسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، وأَنَّ طبيعة المغفرة لا تنالهم البتَّة ، سواء استغفر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لهم قليلاً أَو كثيراً ، فَذِكْر (السبعين) جيء به كناية عن الكثرة ؛ من غير أَن تكون هناك خصوصيَّة للعدد ، فكذا المقام . والوجه : إِنَّ ذات الباري سبحانه وتعالىٰ بعدما كانت غير متناهية فكذا أَفعاله ؛ وإِلَّا ـ أَي : لو كانت أَفعاله عزَّوجلَّ محدودة ومتناهية ـ لزم (والعياذ باللّٰـه تعالىٰ) محدوديَّة ذاته وتناهيه ، وهو كما ترىٰ. وإِلى هذا أَشارت بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان قوله تقدَّست أسماؤه : [مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ](14). ثانياً : بيان قوله تقدَّس ذكره : [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ](15). ثالثاً : بيان قوله جلَّ قدسه : [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا](16). ودلالة الجميع واضحة على أَنَّ خلقة اللّٰـه ومخلوقاتهغيرمتناهية. وأَهل البيت صلوات اللّٰـه عليهم بعدما كانوا رأس هرم المخلوقات غيرالمتناهية أُوكلت إِليهم جملة أُمورها وشؤونها في طرِّ العوالم غيرالمتناهية أَيضاً . 8ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « الحُجَّة قبل الخلق ، ومع الخلق وبعده » (17). 9ـ بيان أَبي الحسن صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن سماعة ، قال : « قال لي أبو الحَسَن عَلَيْهِ السَّلاَمُ : إِذا كان لكَ يا سماعة عند اللَّـه حاجة فقل : « اللَّهُمَّ إِنِّي أسألك بحقِّ مُحمَّدٍ وعَلِيٍّ ... » فإِنَّه إِذا كان يوم القيامة لم يبق ملك مقرَّب ولا نبيٍّ مرسل ولا مؤمن امتحن اللّٰـه قلبه للإيمان إِلَّا وهو محتاج إليهما في ذلك اليوم »(18). ودلالة الجميع واضحة على أَنَّ إِمامة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مُمتدَّة لغير عَالَم الدُّنيا الأُولىٰ ولغير الثقلين ـ الجنّ والإِنس ـ وبضمّ دلالة بعضها للآخر يثبت أَنَّها شاملة لكافَّة العوالم والمخلوقات ، وعامَّة لجميع أَحوالها وشؤونها(19). وهذا ما عنته بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : الأَوَّل : بيان قوله عزَّ من قائل : [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ](20). الثَّاني : بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء مخاطباً أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهما وعلى آلهما : « يا عَلِيّ ، ما بعث اللّٰـه نبيّاً إِلَّا وقد دعاه إِلى ولايتكَ طائعاً أَو كارهاً »(21). الثَّالث : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « إِنَّ اللّٰـه عرض ولايتي على أَهل السَّماوات وعلى أَهل الأَرض أَقَرَّ بها من أَقَرَّ ، وأَنكرها مَنْ أَنكر ، أَنكرها يونس فحبسه اللّٰـه في بطن الحوت حتَّىٰ أَقَرَّ بها »(22). الرَّابع : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « لا يصلح النَّاس إِلَّا بإِمامٍ ، ولا تصلح الأَرض إِلَّا بذلك »(23). الخامس : بيان إِمضاؤه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن وهب بن منبّه ، قال : « إِنَّ موسىٰ بن عمران عَلَيْهِ السَّلاَمُ نظر ليلة الخطاب إِلى كُلِّ شجرٍ في الطور ، وكُلِّ حجرٍ ونباتٍ ينطق بذكر مُحمَّد واثنىٰ عشر وصيّاً له من بعده ، فقال موسى : إِلٰهي ، لا أَرىٰ شيئاً خلقته إِلَّا وهو ناطق بذكر مُحمَّد وأَوصيائه الإِثنىٰ عشر ، فَمَا منزلة هؤلاء عندكَ؟ قال : يابن عمران ، إِنِّي خلقتهم قبل أَنْ أخلق الأَنوار ، خلقتهم في خزانة قدسي ، ترتع في رياض مشيِّتي ، وتتنسَّم من روح جبروتي ، وتشاهد أقطار ملكوتي ، حتَّىٰ إِذا شئتُ مشيِّتي أَنفذتُ قضائي وقدري. يابن عمران ، إِنِّي سبّقت بهم السَّبَّاق حتَّىٰ أُزخرف بهم جناني ، يابن عمران ، تمسَّك بذكرهم ؛ فإِنَّهم خزنة علمي ، وعيبة حكمتي ، ومعدن نوري. قال حسين بن علوان: فذكرتُ ذلك لجعفر بن محمَّد عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فقال: حَقٌّ ذلك ...»(24). السَّادس : بيان الإِمام الرضا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « نحن حجج اللّٰـه في أرضه ، وخلفاؤه في عباده ، وأُمناؤه على سرِّه ، ون وأُمناؤه على سرِّه ، ونحن كلمة التقوىٰ ، والعروة الوثقىٰ ، ونحن شهداء اللّٰـه وأَعلامه في بريَّته ، بنا يمسك اللّٰـه السَّماوات والأَرض أَنْ تزولا ، وبنا يُنزِّل الغيث ، وينشر الرَّحمة ، لا تخلو الأَرض من قائم منَّا ظاهر أو خاف ، ولو خلت يوماً بغير حُجَّة لماجت بأَهلها كما يموج البحر بأهله »(25). ودلالة الجميع واضحة. ومن ثَمَّ ورد في بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « نحن ولد عبد المطَّلب سادة أَهل الجنَّة : أَنَا ، وحمزة ، وعَلِيّ ، وجعفر ، والحسن ، والحسين ، والمهدي »(26). فإِنَّ للجنَّة ناظوم كسائر عوالم الخلقة. وهذا أَمر من بدائع معارف عَالَم الأَصفياء. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (2) يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّه ورد في بيان الزيارة الجامعة لأَئمَّة المؤمنين عَلَيْهم السَّلاَمُ : أَنَّ سبب رقي أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فوق جملة المخلوقات ، منهم : سائرالمخلوقات المكرَّمة ، وفوق كُلّ مُقرَّبٍ ومصطفي : أَنَّ اللَّـه عزَّوجلَّ روّض قلوبهم بدرجة عظيمة من الخوف والرجاء لا توجد في قلب مخلوقٍ قَطُّ . (3) صٓ : 69. (4) بحار الأَنوار ، 53 : 46 ـ 49/ح20. (5) المصدر نفسه ، 26 : 1 ـ 7/ح1. (6) بحار الأَنوار ، 25 : 169 ـ 174/ح38. (7) في المصدر : (وأَنَّك خليفة اللّٰـه). (8) في المصدر : (فانتهينا). (9) بحار الأَنوار ، 27 : 33 ـ 40/ح5. (10) المصدر نفسه ، 29 : 223/ح8. الإِحتجاج ، 1 : 134. (11) بحار الأَنوار ، 27 : 46/ح7. السرائر : 473. (12) بحار الأَنوار : 41/ح1. الخصال ، 2 : 171 ـ 172. (13) التوبة : 80. (14) النحل : 96. (15) لقمان : 27. (16) إبراهيم : 34. (17) بحار الأَنوار ، 23 : 38/ح66. إِكمال الدين : 128 و135. بصائر الدرجات : 143. (18) بحار الأَنوار ، 27 : 317/ح15. المحتضر : 156 ـ 157. (19) مرجع الضمير في : (أَحوالها وشؤونها) : كافَّة العوالم والمخلوقات. (20) البقرة : 30. (21) بحار الأَنوار ، 26 : 280/ح25. بصائر الدرجات : 21. (22) المصدر نفسه : 282 /ح34. بصائر الدرجات : 22. (23) بحار الأَنوار ، 23 : 22 /ح23. علل الشرائع : 76. (24) بحار الأَنوار ، 26 : 308/ح73. مختصر البصائر : 151. (25) بحار الأَنوار ، 23 : 35 /ح59. كمال الدين : 177. (26) بحار الأَنوار ، 22 : 149. المناقب لابن المغازلي : 9. سنن ابن ماجة ، 2 : 1368/ح4087